اعلم أن الإخلال بالحجِّ يكون بسبب من الأسباب التالية:
السبب الأول:
أن يترك مأموراً به ولكن أذن الشارع للحاجّ بتركه بشرط الفدية. وهذا السبب محصورٌ في أن يحجَّ متمتعاً أو قارناً. بشرط أن يذبح لقاء ذلك هَدْياً وهو شاة ممَّا تُجزئ به الأضحية. فإن لم يجد الشاة أو ثمنها صام ثلاثة أيَّام في الحجِّ وسبعة إذا رجع. فإن لم يَصُم في الحجِّ ثلاثة أيام صامها إذا رجع إلى أهله وفرَّق بينها وبين السبعة بقدر أربعة أيام ومدة إمكان السير إلى أهله.
السبب الثاني:
أن يترك شيئاً من الواجبات، بأن لا يُحرم من الميقات, أو يترك الرمي, أو المبيت بمزدلفة, أو بمنى, أو يترك طواف الوداع.
فمن ترك واحداً من هذه الواجبات, فقد أخلَّ بالحجِّ, وعليه ليجبر هذا الإخلال أن يذبح شاة إن تيسَّر له ذلك, فإن لم يتيسَّر وجب عليه في الأصح أن يصومَ ثلاثةَ أيامٍ في الحجِّ وسبعة إذا رجع إلى أهله.
السبب الثالث:
ترك ركن من أركان الحجِّ, وهو إما يكون تركاً للوقوف بعرفة أو تركاً لواحد من بقيَّة الأركان الأخرى.
فالأول: وهو ترك الوقوف بعرفة يترتب عليه وجوب ما يلي:
- ذبح دم. كدم التمتّع أو الصيام إن لم يتيسر الدم.
- التحلُّل بعُمرة, بأن يعمل أعمال العمرة ثمَّ يتحلَّل, ومع ذلك فهي لا تحسب له عمرة مُسْقطة للواجب.
- قضاء هذا الحجِّ, سواء كان قد أحرم به عن حجة الفرض أو أحرم به متطوِّعاً, وذلك على الفور أي السنة المقبلة, ولا يجوز التأخر عنها إلا لعذر. ولا فرق في هذا بين أن يترك الوقوف بعرفة بعذر كنوم ونسيان ونحو ذلك. أو بغير عذر.
والثاني: وهو ترك واحد من الأركان غير الوقوف بعرفة, كأن يترك طواف الإفاضة والسعي, أو الحلق فهذه لا مدخل للجبران فيها, ولا يرتفع الإخلال, إلا بفعل المتروك نفسه, أي فيبقى الحجُّ معلَّقاً حتى يتدارك, مهما تطاول الزمن و مضى الوقت.
السبب الرابع:
أن يرتكب شيئاً من محرّمات الإحرام، كأن يحلق شعراً, أو يقلِّم ظفراً, أو يلبس مخيطاً… إلى آخره, فمن ارتكب شيئاً من المحرَّمات, وجب عليه جبر الإخلال الذي نتج عن ذلك على الوجه التالي:
أولاً: إن كان المحرَّم الذي ارتكبه: حَلْقاً لشعر, أو قَلْماً لأظفار, أو لبساً لمخيط, أو تطيباً, أو ستراً للرأس، أو مباشرة فيما دون الجماع، وجب عليه واحد من الأمور التالية:
أ- ذبح شاة ممّا تجزئ به الأضحية.
ب- إطعام ستة مساكين كل مسكين ما يساوي نصف صاع.
ج- صيام ثلاثة أيّام.
فهو مخيّر بفعل واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة، بشرط ألا يقلَّ المحلوق عن ثلاث شعرات، أو ثلاثة أظافر، فإن كان دون ذلك ففي الشعرة الواحدة أو الظفر الواحد مدّ طعام، وفي الشعرتين أو الظفرين مدّين.
ثانياً: إن كان المحرَّم الذي ارتكبه الحاجُّ جِماعاً وجب أن يذبح بَدَنة، فإن لم يجد قُوِّمت البدنة دراهم ( وتعتبر القيمة بسعر مكَّة المكرَّمة) وقوِّمت الدراهم طعاماً يتصدَّق به، فإن لم يجد قيمة البدنة أيضاً، قُدِّر الطعام أمداداً (والمدُّ ملء حفنة) وصام عن كل مدًّ يوماً.
ثالثاً: أما إن كان المحرَّم اصطياداً، فينظر:
1- إن كان الحيوان الذي اصطيد، له مثل في الأنعام ، وجب ذبح مثله من الأنعام. ففي صيد النعامة بدنة، وفي بقر الوحش وحماره بقرة، وفي الغزال عنـزة… إلخ.
2- إن كان الحيوان لا نقل فيه عن الصحابة وجُهل المماثل له من الأنعام، وجب الرجوع في ذلك على قرار عَدْلَين من ذوي الخبرة.
3- أما إن كان الحيوان ممَّا لا مثيل له, فيجب إخراج القيمةِ عندئذٍ و التصدُّق بها على الفقراء و يرجع في تحديد القيمة إلى قرار عَدْلَين من ذوي الخبرة.
4- يستثنى من ذلك كلِّه الحمام و نحوه مما يُهدر, ففي الواحد شاة من ضأنٍ أو معز، ثمَّ إن كان الحيوان مثليّاً تخيرَّ الصائد في جزاء الإتلاف بين أن يذبح مثله من النَّعم، كما ذكرنا ويتصدَّق به على فقراء الحَرَم خاصَّة، وبين أن يقوِّم ذلك المثل بالدراهم ويتصدَّق بما يساويها طعاماً عليهم وبين أن يصوم عن كلِّ مدٍّ يوماً.
أما غير المثلي، فيتصدَّق بالقيمة التي يقررها العَدْلان الخبيران، أو يصوم عن كلِّ مدٍّ من ذلك يوماً. يتبين لك ممَّا ذكرنا: أنَّ فديةَ ترك الواجب فديةٌ مرتّبة: الذبح أولاً، فإن عجز فالتصدُّق، فإن عجز فالصيام، وأنَّ فديةَ ارتكاب المحرَّم فديةٌ مخيَّرة: إن شاء ذبح، أو أطعم، أو صام.
الدماء الواجبة في الحج وما يقوم مقامها:
الدماء الواجبة في الحج على هذا خمسة أقسام:
القسم الأول: الدم المرتَّب المقدَّر: وهذا يجب عند ترك واجب من واجبات الحجِّ، فإذا ترك واجباً مما ذكر وجب عليه أولاً ذبح شاة مجزئة في الأضحية، أو سُبُع بقرة أو سُبُع بَدَنة. فإن لم يجد شيئاً من ذلك وجب عليه أن يصوم بَدَلَها عشرة أيام، ثلاثة في الحجِّ وسبعة إذا رجع إلى أهله. ويدخل في هذا القسم دم التمتُّع ودم الفوات للوقوف، بعد التحلُّل لعمرة.
القسم الثاني: مخيَّر مقدَّر: وهذا يجب عند فعل محظور كحلق شعر وقلم ظفر وما شابه ذلك، فيجب على من فعل ذلك ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو ثلاثة آصُع من طعام برّ أو شعير يدفعها إلى ستة من مساكين الحرم، لكل مسكين نصف صاع. ويكفي في وجوب هذه الفِدْية إزالة ثلاث شعرات، أو قلم ثلاثة أظفار.
القسم الثالث: مخيَّر معدَّل: وهذا يجب عند قطع نبت أو قتل صيد، فمن فعل ذلك وجب في حقِّه إن كان للصيد مِثْلٌ أو شَبَهٌ صوري أن يذبح المثل في الحرم، أو يشتري لأهل الحرم حبّاً بقدر قيمته يوزعه عليهم، أو يصوم عن كل مدّ يوماً.
وإن لم يكن لذلك مثل فهو مخيَّر بين الإطعام والصيام، إلا الحمام فيجب في الحمامة شاة.
القسم الرابع: مرتَّب معدَّل: وهو الدم الواجب بالإحصار،فمنمُنِع من الحجِّ بعد إحرامه وجب عليه أوَّلاً أن يذبح شاة حيث أحصر، فإن لم يستطع فليطعم بقدر ثمن الدم يوزعه على الفقراء، فإن عجز عن الإطعام صام عن كلِّ مدٍّ يوماً.
القسم الخامس: مرتَّب معدَّل أيضاً: وهذا يجب على المجامع خاصة، فمن جامع قبل الإحلال الأوَّل وجب أن يذبح بعيراً، فإن عجز وجب عليه أن يذبح بقرة، فإن عجز وجب عليه أن يذبح سَبع شِياه، فإن عجز عن ذلك أطعم بقيمة البعير أهل الحرم، فإن عجز عن الإطعام، صام عن كل مدٍّ يوماً.
هذا ولا يجزئ الذبح والإطعام إلا في الحرم، وأما الصيام فيصوم حيث شاء، هذا والمراد بالترتيب في هذه الدماء أنه لا يجوز أن ينتقل إلى الثاني إلا عند عجزه عن الأول، وهو ضدُّ التخيير فهو مفوَّض إليه أن يفعل ما يختاره.