أخبار مفتي الجمهورية

كلمة سماحة المفتي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف لعام 1441 هجرية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، الحمدُ لله ، الذي أضاءَ الوجودَ بنورِ النُبوَّةِ والرِّسَالةِ ، وأرسلَ نبيَّهُ محمداً صلى اللهُ عليهِ وسَلَّم بالهُدُى والحَقِّ المُبين ، قالَ تعالَى : ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ ، وأرسَلَهُ سُبحَانَه وتَعَالى للنَّاسِ كافةً شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، قالَ تعالَى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ،  وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾ .

فالحمدُ للهَ تَعَالى على إِسْبَاغِه النِّعَم ، وإِغْدَاقِهِ العَطَايا والمِنَن .

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له ، له المُلكُ وله الحَمْدُ وهو على كلِّ شيءٍ قَدِير .

وأشْهَدُ أن سَيِّدَنا ونبيَّنا محمداً عَبدُ اللهِ ورسُولُه ، سَيّدُ الخَلْقِ أجْمَعِين ، صَاحِبُ المَقامِ المَحْمُود ، والحَوْضِ المُورود ، والشَّفَاعَةِ العُظْمى ، القَائلُ : (إنَّمَا أنا رَحْمَةٌ مُهْدَاة)، والقائلُ : (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ) ، أرسَلَهُ تعالى بالهدَى والنُّورِ والخيرِ والرَّحمة ، وأزالَ به الجهلَ ، وأضاءَ به الظلامَ.

 اللهم صلِّ وسلِّم وبَارِك على سيِّدِنا مُحَمَّد ، وعلى آلِه وأصحابِه أجْمَعين ، وعلى من تبعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّين ، وبعد :

أيها المسلمون :

 تَحُلُّ علينا في شهرِ ربيعٍ الأولِ مِنْ كلِّ عام ، الذِّكرى العَطِرَةُ ذِكرى المولِدِ النبويِّ الشَّرِيف ، وَهيَ ذِكْرَى غاليةٌ وعَزِيزةٌ على قلبِ وعقلِ كُلِّ عَربيٍّ وَمُسْلِم ، وَيَحْتفِي بها المسلمونَ ، وتَحوطُها إشراقاتُ الفَرحِ والسَّعادَةِ ، والبهجةِ والحُبُور ، بقَدْرِ ما يُجِلُّ المُسْلِمون نبيَّهم ، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ، النبيَّ الرسول، الذي بلَّغَ الرِّسَالة ، وأدَّى الأمَانَة ، ونَصَحَ الأُمَّة ، وتركَنا صلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيْه ، على المَحَجَّةِ البَيْضَاء ، ليلُها كنهارِها، لا يَضِلُّ عنها إلا هَالِك ، إلى يومٍ تُشرِقُ الأرضُ بنورِ ربِّها .

نَسْتَحْضِرُ اليَومَ مَولِدَ النَّبِيِّ الخَاتَم ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عليه، النَّبِيِّ المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِين ،  قالَ تعالَى : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ، نَبِيِّ الإيمَانِ وَالعَدَالَةِ وَإنْسَانِيَّةِ الإنْسَان ، وَمَسؤُولِيَّاتِهِ في الاسْتِخلافِ وَالعُمْرَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِح . وَلَو تَأَمَّلْنَا السُّوَرَ المَكِّيَّةَ الأُولَى ، لَوَجَدنَاهَا تَقُومُ على ثَلاثَةِ أَركَان : الإيمانُ بِالله، وَالإيمانُ بِاليَومِ الآخِر، وَالعَدَالَةُ وَالانْتِظَامُ في أَفكَارِ النَّاسِ وَأَعمَالِهِمْ وَمُعَامَلاتِهِمْ في المُجْتَمَعَات . وَالوَاقِعُ أَنَّ هذا الرُّكْنَ الثَّالِث: رُكْنَ العَدَالَةِ الاجْتِمَاعِيَّة ، سَيَكُونُ مَعَ الإيمَان ، هُوَ مَنَاطَ الحِسَابِ يَومَ القِيَامَة.

هذه هي دَعوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ، التي نَسْتَحضِرُها في يَومِ مَولِدِه . وَلِأَنَّ العَرَبَ انْتَظَرُوا طَوِيلاً، وَالإنْسَانِيَّةَ انْتَظَرَتْ طَوِيلاً ؛ فَإِنَّ المُسلِمِينَ أَقبَلُوا مُنذُ مِئَاتِ السِّنِين ، عَلى الاحْتِفَالِ بِيوَمِ المَولِد ، بِاعتِبَارِهِ هُوَ الذي حَمَلَ تِلكَ الآمَال ، وَتِلكَ التَّوَقُّعَاتِ بِإدَارَةِ الأُمُورِ إلى نِصَابِهَا ، في عَالَمِ بَنِي البَشَر ، فَهُوَ عَليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام ، البَشِيرُ وَالنَّذِير ، وَالبَدِيلُ لِلوَاقِعِ الذي كَانَ قائماً.

 في الإيمانِ وَالعَمَلِ الصَّالِح. قَالَ تَعَالى : ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ، آيَةٌ تَتَكَرَّرُ عَشَرَاتِ المَرَّاتِ في السُّوَرِ القُرآنِيَّة . وَهذِهِ هيَ الأَمَانَةُ التي تَحَدَّثَ عَنهَا القرآنُ الكَرِيمُ في قَولِه: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ . فالإيمانُ يَقْتَرِنُ بِالعَقل ، وَالعَقلُ الإِنْسَانِيُّ في رِعَايَتِهِ لِمُقتَضَيَاتِ الاسْتِخْلَافِ وَالمَصَالِح ، يَسِيرُ في مَسَارِ العَمَلِ الصَّالِح، الذي اعْتَبَرَهُ القرآنُ هُوَ المَعرُوف ، كَمَا اعْتَبَرَ الأَمْرَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَر ، هِيَ الرِّسَالةَ الأُولَى لِلمُسلِمِينَ في هذا العَالَم . بِمَعْنَى أَنَّ القرآنَ الكَرِيم ، أَرَادَنَا أنْ نَكُونَ ضَمِيرَ العَالَم ، وَأَنْ نُؤَدِّيَ بِذَلِكَ الشَّهَادَة ، وَهِيَ حَاضِرَةٌ في رسَالاتِ ودَعوَاتِ  الأَنبِيَاء : قَالَ تَعَالى : ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.

هذِهِ هِيَ الرِّسَالةُ التي أَصَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ عَليهَا، في وَجْهِ خُصُومِ الدَّعوَةِ في بِدَايَتِهَا عِندَمَا قَال : (وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ) .

في ذِكرَى مَولِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّم ، تَجتَمِعُ لَدَينَا إذاً المَعَانِي التي التَقَتْ عَليهَا دَعوَتُهُ وَرِسَالَتُه ، وَهِيَ مَعَانِي الإيمانِ وَالمَسؤُولِيَّةِ ، وَالعَدلِ ، وَالمَعرُوف ، وَالبِنَاءِ وَالعُمْرَان ، بَلْ إِنَّ القرآنَ الكَرِيم ، وَعِندَمَا يَتَحَدَّثُ عَنْ وَحْدَةِ الدِّين ، يَقُولُ: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ ؛ أي إنَّ التَّنَافُسَ لا يَكُونُ إلا في الخَير، وَعَلى الخَيرِ وَالبِرِّ وَالقِسْط . فَكَمَا اتَّفَقْتُمْ في الأُصُول ، يَنْبَغِي أَنْ تَتَضَامَنُوا في الفُرُوع ، وَالمُتَّصِلَةِ بِالعَيشِ مَعاً ، وَباِلعَمَلِ مَعاً ، وهذا هُوَ المَعرُوفُ الذي يُرِيدُهُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لِلنَّاس .

أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :

لقد قَدَّمْتُ في ذِكرَى المَولِدِ النَّبَوِيِّ بِهذِهِ المُقَدِّمَة ، في مُقتَضَيَاتِ رِسَالةِ الرَّحمَةِ وَالخَير ، التي بُعِثَ بِها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم ، لِأَصِلَ إلى الأَزْمَةِ الكَبِيرَة ، التي نَحنُ غَارِقُونَ فيها.

لم يَشهَدْ لبنانُ في تَاريخِهِ مِثلَ هذه اللوحَةِ الوَطَنِيَّة ، التي رَسَمَها شَبَابُ لبنانَ وَشَابَّاتُه على مِساحَةِ الوَطَنِ كُلِّه، مِنْ شَمَالِهِ إلى جَنُوبِه ، وَمِنْ سَاحِلِهِ إلى جَبَلِه وبقَاعِه ، وَأَسْمَعَ صَوتَ قَلبِهِ النَّابِضِ مِنَ العَاصِمَةِ بَيروت، بِاسْمِ لبنان ، وَوَحْدَةِ لبنانَ وَحُرِّيَّتِه ، وَعَيشِهِ المُشتَرَك.

شَهِدَ شَبَابُ لبنانَ وَشَابَّاتُهُ لِلحَقّ ، لِحَقِّ اللبنانِيّ ، كُلِّ لُبنانِيّ ، بِالكَرَامَةِ وَبِالحَيَاةِ الكريمة ، وَأَكَّدَ شَبَابُ لبنانَ وَشَابَّاتُهُ بِصَرْخَتِهِمُ الوَاحِدَةِ المُدَوِّيَة ، على تَمَسُّكِهِمْ بِقِيَمِ العَدَالَةِ وَالمُسَاوَاة ، وَالعَيشِ المُشتَرَك ، وَالأُخُوَّةِ الوَطَنِيَّةِ وَالإنسَانِيَّة ، وَقِيَمِ الاعْتِدَالِ وَالتَّسَامُح ، وَالحِوَارِ وَالتَّضَامُنِ الاجتِمَاعِيِّ وَالإنْسَانِيِّ وَالوَطَنِيّ ، وَبِكُلِّ مَا يُقَرِّبُ بَينَهُمْ وَيُؤَاخِي ، وَنَبْذِ العُنفِ وَالكَرَاهِيَةِ وَالتَّسَلُّط، وَكُلِّ مَا يُفَرِّقُ بَينَهُمْ وَيُبَاعِد ، وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّشَارُك ، لِكَي يَبْنُوا مَعاً دَولَةَ حَقّ ، وَدَولَةَ قانون ، يُحْتَكَمُ فيها إلى القانونِ الأسْمَى ، إلى الدُّستور ، وَوَطَناً حُرّاً عَزِيزاً  ،  مُستَقِلاً وَسَيِّداً .

أَعطَانَا شَبَابُ لبنانَ وَشَابَّاتُهُ أُمْثُولةً رَائعَةً في الوَطَنِيَّةِ وَحُرِّيَّةِ الضَّمِير، اِجتَمَعُوا على كَلِمَةِ حَقٍّ وَاحِدَة ، حَقِّ الإنسانِ في حَيَاةٍ كَرِيمَة ، بَعدَ أنْ أَذَلَّهُمُ الفَقرُ وَالظُّلمُ وَالقَهرُ وَمَرَارَةُ العَيْش ، بِحَيثُ لم يَعُودُوا أحراراً وَلا أَصحَابَ رَأْي ، وَلا مُوَاطِنِينَ تَرعَاهُمْ دَولةُ حَقٍّ وَقَانون ، بِحَيثُ بَاتُوا أتباعاً وَأزلاماً تَتَقَاذَفُهُمْ صِرَاعَاتٌ وَنِزَاعَات ، وَتَتَحَكَّمُ فِيهِمُ الطَّائفِيَّةُ وَالمَذهَبِيَّةُ وَالمَنَاطِقِيَّة ، مِمَّا أَفقَدَهُمْ مَنَاعَتَهُمْ وَوَحْدَتَهُمُ الوَطَنِيَّة ، وَأُخُوَّتَهُمُ الإنْسَانِيَّة.

رَفَعَ شَبَابُ لبنانَ وَشَابَّاتُهُ أَصْوَاتَهُم ، وَقَالُوا: لا لِلطَّائفِيَّةِ وَالمَذهَبِيَّةِ وَالمَنَاطِقِيَّةِ التي مَزَّقَتْ صُفُوفَهُم ، وَقَسَّمَتْ فِيمَا بَينَهُم ، وَجَعَلَتْهُمْ عُرْضَةً لِلاسْتِغلالِ وَالاسْتِقوَاءِ وَالتَّبَعِيَّة ، فَكَانَ لِأَصْوَاتِهِمْ دَوِيٌّ أَنَارَ القُلوبَ وَالعُقُول ، وَاسْتَنْهَضَ الهِمَم ، مِنْ أجلِ بَدءِ عَمَلِيَّةِ الإصْلَاحِ الاجْتِمَاعِيِّ وَالاقتِصَادِيِّ وَالمَالِيّ ، وَبِنَاءِ الدَّولة.

إنَّ بِنَاءَ الدَّولة ، دَولَةِ الحَقِّ وَالقَانُون ، الدَّولَةِ القَوِيَّةِ وَالعَادِلَة ، التي تُسَاوِي بَينَ الجَمِيع ، وَتُؤَاخِي بَينَ الجَمِيع ، تَحتَاجُ إلى مُصلِحِينَ وَأَصحَابِ اخْتِصَاصٍ وَكَفَاءَة ، وَقَادَةٍ مُتَبَصِّرِين ، يَضَعُونَ مَصلَحَةَ النَّاسِ فَوقَ مَصَالِحِهِمُ الخَاصَّة ، وَمَصَالِحَ البِلادِ العُليا ، وَالمَصلَحَةَ العَامَّةَ فَوقَ طمُوحَاتِهِمُ الشَّخصِيَّة ، فَلْتَتَنَحَّ السِّيَاسَةُ عَنِ المَيدَان ، لِتُخْلِيَ السَّاحَاتِ لِأَصحَابِ الكَفَاءَةِ وَالاخْتِصَاص، الذين لا تَعْنِيهُمُ السِّيَاسَةُ إلا بِمِقدَارِ مَا تَعنِي أَنَّهَا تُدَبِّرُ شُؤونَ النَّاس ، وَتُغنِي حَيَاتَهُم ، وتُحافِظُ على كَرَامَاتِهِم، وتَعْمُرُ بَلدَهُم.

تَعِبَ اللبنانيونَ مِنَ السِّيَاسَة ، قَضَّتِ السِّيَاسَةُ مَضَاجِعَهُم ، فَرَّقَتْهُمُ السِّيَاسَةُ وَمَزَّقَتْ صُفُوفَهُم ، أَفْقَرَتْهُمُ السِّيَاسَة ، وَهَجَّرَتْ أَبنَاءَهُمْ وَشَرَّدَتْهُم .

آنَ الأَوَانُ لِلاسْتِجَابَةِ لِمَطَالِبِ الشَّعْبِ وَإرَادَتِهِ الوَطَنِيَّةِ الحُرَّة ، العَابِرَةِ لِلطَّوَائِفِ وَالأَحزَاب ، وَالمَناطِق ، بَعدَ أَنِ اسْتَطَاعَ الحَرَاكُ الشَّعْبِيُّ أنْ يُوَحِّدَ اللبنانيينَ على الطَّرِيقِ الصَّحِيح، وَأَنْ يَجمَعَهُمْ في سَاحَةٍ وَاحِدَة ، هِيَ سَاحَةُ الوَطَن ، آنَ الأَوَانُ لِيَسْتَعِيدَ الشَّعْبُ ثِقَتَهُ بِالدَّولَةِ وَمُؤَسَّسَاتِهَا الدُّسْتُورِيَّةِ وَالإدَارِيَّة ، آنِ الأَوَانُ لِاحْتِرَامِ مَبَادِئِ الديمقراطيَّةِ وَقِيَمِهَا ، وَمَعَايِيرِ مُمَارَسَةِ الحُكمِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ وَالبَرلَمَانِيِّ وَقَوَاعِدِه ، وَفِي مُقَدَّمَتِهِ مَبدَأُ الفَصْلِ بَينَ السُّلُطَات ، وَتَدَاوُلِ السُّلْطَة ، وَالمُسَاءَلَةِ وَالمُحَاسَبَةِ وَالحُكْمِ الرَّشِيد .

آنَ الأَوَانُ، وَالفُرصَةُ مُؤَاتِيَةٌ ، بَعدَ هذه اليَقَظَةِ الوَطَنِيَّة ، أنْ تَبْدَأَ عَمَلِيَّةُ الإصلاح ، وَأَنْ يَتَوَجَّهَ أُولُو الأَمْر ، إلى تَشْكِيلِ حُكومَةِ إِنقَاذٍ دُونَ تَلَكُّؤٍ وَلا تَأْخِير، إلى تَشكِيلِ حُكُومَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الكَفَاءَةِ وَالاخْتِصَاص ، وَالشُّرُوعِ فَوراً فِي تَنفِيذِ الوَرَقَةِ الإصلاحِيَّةِ التي أَعَدَّها الرَّئيسُ الحريري ، لِمُعَالَجَةِ مَشَاكِلِ البِلاد ، وَالخُرُوجِ مِنَ النَّفَقِ المُظلِم ، إلى فَضَاءِ الإصلاحِ المُرتَجَى ، وَلِتَحِقيقِ آمَالِ اللبنانِييِّن ، بِبِنَاءِ دَولةِ حَقٍّ ، وَقَانُونٍ وَعَدَالة.

ثمَّ ، وَأَخِيراً ألا يَستَحِقُّ شَعبُ لُبنانَ الذي ارْتَقَى بِأَدَائهِ وَسُلُوكِيَّاتِه، إلى أعلى مُستَوَىً مِنَ الثَّقَافَةِ الدِّيمُقرَاطِيَّةِ والسِّيَاسِيَّةِ وَالمُوَاطَنَة ، بِمُمَارَسَةِ حُرِّيَّتِه ، وَإدْرَاكِهِ لِمَعْنَى وَمَفهُومِ الحُرِّيَّة ، وَحُرِّيَّةِ التَّعْبِيرِ السِّلْمِيِّ وَالحَضَارِيّ ، ألا يَسْتَحِقُّ هذا الشَّعبُ الذي اسْتَعَادَ كَرَامَةَ لبنانَ وَبَيَّضَ صَفْحَتَه ، أَنْ يُستَجَابَ لِنِدَاءَاتِهِ وَمَطَالِبِه ، وَاحْتِضَانِه وَمُعَالَجَةِ مُعَانَاتِهِ وَمَشَاكِلِهِ الحَيَاتِيَّةِ وَالمَعِيشِيَّة ، بِمَا يُؤَمِّنُ كَرَامَتَهُ الإنْسَانِيَّة ؟

نعم ، شعبُ لبنانَ يَستَحِقّ .

أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :

ذِكْرى المَولِدِ النَّبويِّ الشَّريِف ، هي ذِكْرى الطُّفولةِ البريئة ، التي يَنْبَغي أنْ نَصُونَها ، وهي ذِكْرى يَومِ الفُتُوَّةِ والشَّباب ، الذينَ يَتَرَبَّوْنَ لِلمُسْتَقْبَلِ القريبِ للأُسَرِ والأَوطَانِ والدُّوَل .

لقد غَيَّرَ هذا اليتِيمُ العَظِيم ، صَلواتُ ربِّي وسَلامُهُ عليهِ العَالَم ، وَسَتَظَلُّ سِيرتُهُ في طُفولتِهِ وَشَبابِهِ وَكُهُولتِه ، وَنُبُوَّتِهِ وَهِجْرَتِه ، وَبِنائهِ لِلأمَّةِ وَالدَّولة ؛ سَيَبْقَى ذلِكَ قُدْوَةً لنا ، وَدَرْساً لا يُنْسَى في الأخلاقِ الفاضِلةِ وَالمَسْؤولة ، وفي الحِرْصِ على كَرَامَةِ الإنسان ، وَصُنْعِ الخَيرِ وَالمَعْروف .

 قالَ اللهُ تعالى : ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ ، صَدَقَ اللهُ العظيم.

وكُلَّ عامٍ وأنتُمْ بخَير

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق