أخبار مفتي الجمهورية

كلمة سماحة المفتي بمناسبة رأس السنة الهجرية الجديدة 1440

وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين بمناسبة بدء العام الهجري الجديد الاتي نصها: الحمدُ للهِ ذي الفضلِ والإحسان ، شرعَ لعبادِه هِجْرةَ القلوبِ وهِجْرةَ الأَبْدَان ، وجَعَلَ هاتين الهجرتين باقيتين على مَرِّ الزمان .

وأشهد أن لا إلهَ إلا الله ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وعدَ المهاجرين إليهِ أجراً عظيماً ، قالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ ، وقالَ تَعَالى : ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ، وقالَ تَعَالى :  ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.

وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه ، هاجرَ إلى رَبِّه فأواه وحَمَاه ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ أن قال : (لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ، وعلى آلِه وأصْحَابِه الذين هاجروا وجاهدوا في سبيلِ الله ، حتى فتحوا القلوبَ والبلدان، ونشروا العدلَ والإيمانَ والإحسان.

أما بعد :

أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون جميعاً :

مع حلولِ كلِّ عامٍ هجريٍّ جديد ، يقفُ المسلمونَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها مُحْتَفِينَ بعامٍ جديد ، ومُسْتَذْكِرين أحداثَ الهجرةِ النبويةِ الشريفة ، التي تَسْتَحِقُّ الوَقْفَةَ المُتَأَنِّيَة ، لأنها كانتْ في حقيقتِها ، حَدَثاً بالغَ الأهميةِ في تاريخِ العربِ والمسلمين ، إذ أنها لم تَكُنْ نُزْهَةً ولا رِحْلَةً سياحِيَّةً للتَرْفِيهِ والتَّفَرُّجِ والاطْلاع ، ولم تَكُنْ سَفَرَاً وانْتِقَالاً لتحصيلِ مُتَعِ الدُّنْيَا ومَلَذَّاتِهَا ، وإنما كانتْ انْتِقَالاً مِنْ أَجْلِ الحِفَاظِ على العقيدة ، وتضحيةً بالنفسِ والمالِ والأهلِ والولد،  مِنْ أجلِ العقيدة ، فهيَ تَبْدَأُ من أجلِ العقيدة ، وغَايتُها العقيدة .

فقد قضى رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنذُ بَعثَتِهِ بِمَكَّة ، قُرَابَةَ الثلاثةَ عَشَرَ عاماً ، دَاعِياً لِلوَحْدَانِيَّةِ والاسْتِقَامَةِ الخُلُقِيَّة ، والانْضِمَامِ إلى رَكْبِ وَحْدَةِ الدِّينِ الذي دَعَا إليهِ وَإليها ، أبو الأنبياءِ إبراهيمُ عليه السلام، الذي بَنَى البَيتَ العَتِيقَ مَعَ ابْنِهِ إسماعيلَ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَة . ولذلك ، فإنَّ العَرَبَ الذين كانوا يَحُجُّونَ إلى البيت ، هُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِالبقَاءِ على دَعوَةِ إبراهيمَ وَدِيَانَتِه . فَبِبَرَكَةِ دَعوَةِ إبراهيم ، اِسْتَقَامَ لِقُرَيشٍ الأمْر ، وَصَنَعُوا الإيلافَ الذي ذَكَّرَهُمُ القرآنُ الكريمُ بِه ، قالَ تَعَالى: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ .

نَحنُ عَائدونَ مِنَ الحَجِّ إلى البَيتِ الذي بِناهُ إِبراهيمُ وَإِسماعيل ، وَحَوَّلَ تِلكَ النَّوَاحِيَ الصَّحرَاوِيَّةَ الجَردَاءَ إلى وَاحَةٍ مُزدَهِرةٍ لِلخيرِ والائتلافِ والنَّمَاء . بَعدَ قُرونٍ تَنَكَّرَ المَكِّيُّونَ لِكُلَّ ذلك ، فَأَرسَلَ إِليهِمْ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مُحمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لِإعَادَتِهِمْ إلى السَّبِيلِ المُستَقِيم ، سَبيلِ إِبرَاهِيمَ الخليل.

وَكَمَا سَبَقَ القَول ، وَبَعدَمَا يَزِيدُ على العَقْدِ مِنَ السِّنِين ، وَبَعدَ أَنْ صَارَ البَقَاءُ بِمَكَّةَ مُستَحِيلاً بِسَبَبِ اضْطِهَادِ كِبَارِ القُرَشِيِّينَ لِلنَّبِيِّ وَأَتْبَاعِه، وَمُعظَمُهُمْ مِنَ العَبِيدِ وَالضُّعفاءِ وَالمُستَضْعَفِين، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إلى يَثْرِبَ ، التي سَمَّاهَا المَدِينة . وهذه التَّسْمِيَةُ رَمْزٌ لِلاسْتِقْرَارِ وَالنَّمَاءِ وَظُهُورِ جَمَاعَةِ المدينة ، التي قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  في عَهْدِهِ أو إِعْلانِهِ عَنْ أُولئكَ الذينَ اجْتَمَعُوا مِنْ حَولِه: (إنَّهُم أُمَّةٌ مِنْ دُونِ النَّاس).

فَعِندَمَا نَحْتَفِي وَنَحْتَفِلُ بِذِكْرَى الهِجْرَة ، فَنَحْنُ نَتَذَكَّرُ المَشَقَّاتِ التي عَانَاهَا الرَّسُولُ وَالمُسلِمُونَ الأَوائل ، الذينَ مَاتَ مِنْهُمْ عَدِيدُونَ تَحْتَ التَّعْذِيب . وَهَكَذا شَأْنُ دُعَاةِ الحَقِّ وِالحِقِيقَة ، فَالَّذِينَ يُؤمِنونَ بِفِكْرَةٍ أَوْ تَوَجُّهٍ يَكُونُ عَليهِمُ الثَّبَات ، وَيَكُونُ عَليْهِمُ الثِّقَةُ بِالله ، ويَكُونُ عَليهِمُ الإصْرَارُ عَلَى مَا آمَنُوا بِهِ دُونَمَا عُنفٍ أَو رَدٍّ على العُدْوَانِ بِالعُدْوَان . كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يُعَذِّبُونَ أنْصَارَ الدِّينَ الجَدِيد ، وَيَعْرِضُونَ عَليهِ العُرُوضَ المُغْرِيَة ، إذا رَجَعَ عَنْ دَعْوَتِه ، يقول : (وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ) ! فَدَرْسُ الهِجْرَةِ الأَوَّل ، هُوَ الثَّبَاتُ على المَبْدَأ ، وَلَو أدَّى ذَلِكَ إلى تَرْكِ الأَحبَابِ وَالأَوطَان.

أَمَّا الدَّرْسُ الثَّانِي في هِجْرَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهُوَ الثِّقَةُ بِاللهِ وَالتَّوَكُّلُ عليهِ بَعدَ كُلِّ مَشقَّة . وَلولا ثِقَتُهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بِوَعْدِ اللهِ لِلمُؤمِنِينَ بِهِ وَلِلمُتوَكِّلِينَ عليه، لَمَا تَحَمَّلَ مَشقّاتِ الدَّعوَة ، وَلَمَا هَاجَرَ لِلْمُتَابَعَة ، وَلِلْخُرُوجِ مِنَ الأُفُقِ المَسْدُود ، الذي بَلَغَهُ بَعدَ ثَلاثَةَ عَشَرَ عَاماً . المُدَّةُ طُوِيلة ، وَالكِفَاحُ هَائل، وَالَّلوعَةُ على هَؤلاءِ الضُّعفاءِ جَسَداً ، الأقوياءِ نُفُوسَاً وَعَزَائمَ هَائلة ، إنَّمَا وَرَاءَ هذا الصُّمودِ كُلِّهِ الثِّقَةُ بِاللهِ وَوَعْدِه: قالَ تَعَالى : ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ ، وقالَ تَعَالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.

أَّمَّا الدَّرسُ الثَّالِثُ مِنَ الهِجْرَة ، فَهُوَ مَشْرُوعِيَّةُ الهَدَفِ الذي يَسْعَى إليهِ الإِنسَان. وَالمَشْرُوعِيَّةُ وَاضِحَةٌ ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الهَدَفُ البِنَاءَ والخَير، وَإِرَادَةَ الحَيَاةِ المُزدَهِرَةِ للنَّاسِ جَمِيعاً . في يَثْرِبَ الجَدِيدة ، أَوِ المَدِينَة ، بَنَى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ وَبِالتَّوَافُقِ بَينَ الفِئاتِ المُخْتَلِفَةِ مُجْتَمَعاً وَأُمَّةً بِالتَّكَافُلِ وَالتَّضَامُن ، وَبِدُونِ تَفْرِقةٍ على أَسَاسِ الدِّينِ أَوِ القَومِ أَوِ القَبِيلَة. وَعِندَمَا عَادَ إلى مَكَّةَ وَدَخَلَهَا فَاتِحاً ، قَالَ لِكُلِّ خُصُومِهِ الذِينَ عَذَّبُوا وَقَتَلُوا : أَنْتُمُ الطُّلَقَاء . وَمَنْطِقُهُ أَنَّ إِصْرَارَكُمْ عَلَى النِّظامِ القدِيمِ الفَاسِد ، عِلَّتُهُ الخَوفُ على مَصَالِحِكُمْ وَتِجَارَاتِكُم ، فَهَا هِيَ المَصَالِحُ المَشْرُوعَةُ لَمْ تُمَسّ ، وَهَا هُوِ الزَّمَنُ قَدِ اسْتَدَار ، فإنْ طالتْ بكَ حياةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ (المرأةَ المسافرةَ) تَرتَحِلُ مِنَ الحِيرةِ حتى تطوفَ بالكعبةِ لا تَخافُ أحَداً إلا الله ، (مِنْ حديثِ عَديِّ بنِ حاتِم) ، قَالَ تَعَالى مُذكِّراً أهلَ مكَّةَ بِما مَنَّ عليهم مِنْ أمْنٍ وأمان: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. فَلِأَنَّ الهِجْرَةَ وَمَشَاقَّهَا وَنِضَالاتِها كانَتْ مِنْ أَجْلِ خَيرِ النَّاسِ ، وَصُنْعِ الجَدِيدِ وَالمُتَقَدِّمِ لَهُم ؛ فَإِنَّ القَائمِينَ بِها نَجَحُوا بِالصَّبْرِ وَبِالعَزِيمَة، وَبالإِرَادَةِ الطَّيِّبَةِ لِكُلِّ أَهْلِ تِلكَ الأَرض.

أيها اللبنانيون :

نَحنُ في أَزْمَةٍ كُبْرَى ، وَليسَ بِسَبَبِ عَدَمِ تشكيل الحُكُومَةِ فقط ؛ بَلْ وَلِسُوءِ الأَوضَاعِ الاقتصاديةِ وَالمَالِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّة ، وَالانْقسامِ السياسيِّ العَمِيق . إنَّ الأَمْرَ يَتَطَلَّبُ بِالفِعلِ التَّضَامُنَ وَالتَّوَافُقَ وَتَبَادُلَ الرَّأْيِ بِرُوحٍ طَيِّبَة ، وَبِإدْرَاكٍ عَاقِلٍ لِلْمُشكِلاتِ الوَطِنِيَّة ، وَالإِرَادَةَ المُخلِصَةَ في الوُصُولِ إلى حُلُولٍ لَهَا . وَقَدْ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَدِيثِه مَثَلاً لِلاخْتِلافِ في إِدْرِاكِ المَصَالِحِ بِالسَّفِينَةِ ذَاتِ الطَّبَقَتَين ، التي يَرْفُضُ مُسَاِفرُو الطَّبَقَةِ الأُولَى التَّشَاوُرَ مَعَ مُسَافِرِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَة ، وَكَيفَ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلى هَلاكِ الجَمِيع. وَلِذَلِك، أَسْتَغْرِبُ مِنْ قَولِ البَعْض : إنَّهُ لا يُؤْمِنُ أَوْ لا يَقُولُ بِالشَّفَاعَة . وَالشَّفَاعَةُ في الدِّينِ مَعرُوفَة ، أمَّا الشَّفَاعَةُ في المَجَالِ السِّيَاسِيِّ وَالوَطَنِيّ ، فَتَعْنِي أَنَّ عِنْدَنا كِبَاراً، وَأنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ بِالإِرَادَةِ الخَيِّرَةِ وَالطَّيِّبَة ، التَّوَسُّطَ بَينَ الفُرَقاء، مِنْ أَجْلِ خَيرِ الجَمِيع . نَعَم ، نَحنُ مُحتَاجُونَ إلى هُدُوءِ الكِبَارِ وَحِكْمَتِهِم ، كَمَا نَحْتَاجُ إلى وَعْيِ المَسْؤُولِينَ الكِبَارِ بِمَسْؤُولِيَّاتِهِمْ ؛ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَخَطِيرَةٍ بِالفِعل . التَّعَانُدُ لا يُفِيد. وَكَذلِكَ لا يُفِيدُ الإِصْرَارُ الحَقِيقِيُّ أوِ المَوهُومُ على الصَّلاحِيَّات . لأنَّه عِندَمَا يَتَهَدَّدُ النِّظَام ، لا تَعُودُ هُناكَ قِيمَةٌ لِلصَّلاحِيَّاتِ أوِ المَرْجِعِيَّات.

أيها اللبنانيون :

إنَّ الأَمْرَ مُخِيفٌ بِالفِعل . وَهَذا مَا نَسْمَعُهُ مِنْ كِبَارِ المُوَاطِنِين وأَوْساطِهم. وإنَّهُ لَيَبْلُغُ الاسْتِهْتَارُ بِالمَصَائرِ الوَطَنِيَّة ، أَنْ يَتَحَدَّثَ أُنَاسٌ عَنْ تَغْيِيرِ المَوقِعِ الاسْترَاتِيجِيِّ لِلبنان . في حِينِ يَدعُو آخَرُونَ إلى مَشْرِقِيَّةٍ لا نَدْرِي مَعْنَاهَا وَلا مَآلاتِها . عِندَنَا وَثِيقَةُ وِفَاقٍ وَطَنِيّ، وَعِندَنا دُسْتُور. وِلَسْنَا غَنَماً أو هَمَلاً لِكَيْ يَتَصَرَّفَ هذا الفَرِيقُ أَوْ ذَاكَ بِهُوِيَّتِنَا وَانْتِمَائنا . ألمْ أَقُلْ أَيُّهَا الإخوة : إنَّ الوَعْيَ والإحْسَاسَ بِالمَسؤُولِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ ضَرُورِيٌّ جِدًّا في هذه الظُّرُوف؟!

وَإنَّنِي لَأَتَوَجَّهُ هُنا إلى رَئيسِ الحُكُومَةِ المُكَلَّف، وَقَدْ سَرَّنَا جَمِيعاً التَّضَامُنُ مِنْ حَولِه. لَكِنَّنِي أَتَوَجَّهُ إِليهِ باِلتَّحِيَّة ، لِأنَّهُ لا يُشَارِكُ في هذه المُنَافَرَاتِ الكَلامِيَّة ، التي لا تُفِيدُ إلا زِيَادَةً في الشِّقَاق . إنَّ لَدَينَا الآنَ تَضَامُنَاتٍ طَائفِيَّةً شِيعِيَّةً وَسُنِّيَّةً وَمَسِيحِيَّة. وَرَئيسُ الحُكُومَةِ شَأْنُه في ذلك ، شَأْنُ وَالِدِهِ الشَّهِيد ، يَنْبَغِي أَنْ يَظَلَّ على إِصْرَارِهِ في تَجَاوُزِ الطَّائفِيِّ إلى الوَطَنِيّ . نَعَم ، أَيُّها الإِخوةُ المُوَاطِنون ، لِنَرْتَفِعْ جَمِيعاً إلى المُسْتَوَى الوَطَنِيّ، أو نَتَضَرَّرُ جَمِيعاً ، وَلا تَعُودُ العَودَةُ مُمْكِنةً إلا بِخَسَائرَ كَبيرةً ، بدَأَتْ تَقَعُ فِعْلاً ! نَحنُ مَعَ رَئيسِ الحُكُومَةِ المُكَلَّف، في بُعْدِهِ عَنِ الإِثَارَة ، وَسَعيِهِ لِلوِفَاقِ الوَطَنِيّ ، وَالتَّوَازُنِ الوَطَنِيّ، وَالنُّهُوضِ الوَطَنِيّ . وَعَلى هذه الشَّاكِلَةِ الوَطَنِيَّة ، نَرجُو أنْ تَتَشَكَّلَ حُكُومَتُه ، لِتَكُونَ حُكُومَتَنَا جَمِيعاً ! فالعَصَبِيَّاتُ الطَّائفِيَّة ، تُنْتِجُ كُلٌّ مِنْهَا الأُخْرَى ، وَلا يَبْقَى لِلوَطَنِ شَيءٌ أيّاً كان!

أيها المسلمون :

ذِكْرَى الهِجْرَة، تَحْفِيزٌ على النِّضَال . وَتَقدِيمُ الأَهْدَافِ السَّامِيَةِ على المَصَالِحِ الصُّغْرَى، وَعلى أَحْلامِ الثَّرْوَةِ وَالسِّلاح، وَالفَسَادِ وَالخَرِاب . قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَهجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْه ِ) .

فَلْتَكُنْ هِجْرَتُنا جَميعاً إلى الوَطَنِ الذي نُحِبُّهُ وَنَحْرِصُ على أمْنِهِ وَسَلامِهِ وَرَفَاهِه ، لِيبْقَى وَطَنُنا لنَا جَمِيعاً، سَيِّداً حُرّاً مُستَقِلاً ، مُتَمَتِّعاً بِالحُكْمِ الصَّالِحِ وَالرَّشِيد .

وكلُّ عامٍ هجريٍ وأنتم بخير .

          والسلامُ عليكم ورحمة اللهِ وبَركاتُه

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق