أخبار مفتي الجمهورية

كلمة سماحة المفتي في حفل افتتاح المؤتمر العالمي بعنوان: “التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق”

أكد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان إنَّ التَّجْديد في الفَتْوَى هُوَ أَمْرٌ ضَرورِيٌّ في كُلِّ زَمَانٍ ومَكان وإلَّا لَمَا كانَ مَطْلَبُ الاجْتِهَادِ في الاسْتِنْبَاط. والاجْتِهادُ في الاسْتِجَابَةِ لِلنَّوَازِل، هُوَ رَأْسُ أَعْمَالِ فُقَهَاءِ المُسلِمِينَ وَعُلَمَائهِم، مُنْذُ ان شَعَّتْ أَنْوَارُ الدِّينِ الحَنِيف.

كلام مفتي الجمهورية جاء خلال إلقائه كلمة في حفل افتتاح المؤتمر العالمي بعنوان: “التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق” الذي يعقد في القاهرة بدعوة من الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم برعاية رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي وحضور العديد من الشخصيات الدينية في العالم.

وقال المفتي دريان: لَدَيْنَا في المِيراثِ الفِقْهِيِّ كُتُبٌ وَمَجْموعاتٌ تُسَجِّلُ فَتَاوَى رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم. وَالمَقْصُودُ بِذَلِك، أَنَّ الاجْتِهَادَ بَدَأَ بِهِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لِيَقْتَدِيَ بِهِ التَّابِعُون لهُ بِإحْسَان، مُنْذُ حِقْبَةِ الصَّحَابَة، وإلى يَومِنَا هذا. وَمَعَ أَنَّ عَنَاوِينَ كُلِّ جَلَسَاتِ المُؤْتَمَر، مُنْصَبَّةٌ على تَحْديدِ الضَّوَابِطِ لِهذا الاجْتِهَاد، وَذَاكَ التَّجْديد، وَلِذَلِكَ كُلِّهِ مُسَوِّغَاتٌ كَمَا نَعْلَمُ جَمِيعًا؛ فَإنَّ الذي نَخْشَاهُ ليسَ الشَّطَطَ في التَّجْديدِ فقط؛ بل والتَّقْصِيرَ في الاجْتِهَادِ والتَّجْديدِ أيضًا. وَذلِكَ لِأنَّ القُصُورَ أوِ التَّقْصِير، يَجْلِبُ عِلَّةً أُخْرى، وَهي أَنَّهُ كَمَا جَاءَ في الأثَر، عِنْدَمَا يُقَصِّرُ العُلَماءُ أو يَتَرَدَّدُون، أَو تَتَضَاءَلُ أَعْدَادُهُم، يَتَّخِذُ النَّاسُ رُؤساءً جُهَّالاً فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّون.

أضاف: إنَّ لدَيْنَا ثَروةً فِقْهِيَّةً هَائلةً مِنَ العَمَلِ الفِقْهِيِّ القَديم، وَالعَمَلِ الفِقْهِيِّ الحَديثِ والمُعَاصِر، مِنْ جَانِبِ المَجَامِع، ومِنْ جَانِبِ كِبَارِ العُلمَاء. لكِنَّ الأمْرَ – كَمَا قالَ الإمَامُ الغَزاليّ – أنَّ النُّصوصَ تَتَنَاهَى، والوَقَائعُ لا تَتَنَاهَى. وَكُلُّ يومٍ تَمُرُّ علينَا نَحْنُ العَامِلينَ وَالمُتَصَدِّينَ لِلْفَتْوَى، مَسَائلُ وَمُشْكِلاتٌ، تَتَطَلَّبُ وبَعْدَ اسْتِشَارةِ مَا بَينَ أَيدِينَا مِنَ القديمِ وَالحَديث، تَقلِيبًا لِلْنَّظَر، وَالْتِمَاسًا يَسْتَدعي التَّقْديرَ الجَديد، والتَّدبيرَ الجَديد.

وتابع قائلا: عِنْدَمَا تَعْرِضُ لنَا الفَتْوَى – اسْتِجَابةً أو تَقديرًا – ثلاثةُ وَاجِبَاتٍ مُتَتَاليةٍ أو مُتَقَارِنَة: النَّظَرُ فيمَا بَينَ أَيدِينَا، وَالنَّظَرُ المُتَجَدِّدُ في الكِتَابِ وَالسُّنَّة، والْتِمَاسُ المَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ في الإجَابة، لِتَلْبِيَةِ الحَاجَةِ طَارئةً كانتْ أو مُتَكَرِّرة. فإنَّني أَخْشَى دائمًا التَّقْصِير، بِقَدْرِ مَا أَخْشَى الشَّطَطَ وَالتَّفَلُّتَ مِنْ جَانِبِ المُتَسَرِّعِينَ وَالمُدَّعين، وأصْحَابِ الأَغْرَاضِ الحِزْبِيَّةِ أَوِ الفِئَوِيَّة.

وختم: مَنْ تَرَكَ أَمْرًا مِنْ أمور الشَّرْع، أَحْوَجَهُ اللهُ إليه. وَلْنُلاحِظْ أَنَّ هذهِ المَقولةَ الحَكِيمة، تُرَكِّزُ على التَّدَاعِيَاتِ والمَآلات، وَليْسَ عَلى بَدْءِ الأَمْرِ وَمَطْلَعِه.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق