المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى

بيان الجلسة الدورية للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى

عقد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى جلسة في دار الفتوى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وصدر عنه بيانا تلاه عضو المجلس رئيس المحاكم الشرعية السنية الدكتور الشيخ محمد عساف التالي نصه:

توقف المجلس عند الذكرى السنوية الخامسة عشر لاستشهاد  الرئيس رفيق الحريري الذي كان يتمتع برؤية استثنائية  والذي ضحى من اجل القيم السامية التي حملها لوطنه وشعبه ، وحقق إنجازات عديدة لازال الوطن ينعم بها وعلينا المحافظة عليها  في الإعمار والنمو وثقافة التضامن والوحدة والمساواة والسلام والازدهار والتقدم بالاقتصاد .. كان رمزا تاريخيا مميزا من رموز لبنان، محبا للخير ومعطاء وصمام أمان لعروبة لبنان ووحدته واستقراره الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وسيبقى المجلس وفيا للرئيس الشهيد لان الوفاء من شيم اللبنانيين المخلصين والمحافظين على نهجه.

تابعت وتتابع دار الفتوى أوضاع البلاد العامة وهموم المواطنين الحياتية والمعيشية، وما يكابده اللبنانيون من آلام وأوجاع وخوف على المستقبل والمصير، لأن هموم المواطنين هي همومها وأوجاع اللبنانيين هي أوجاعها، والهم الوطني، هم اللبنانيين جميعاً، قبل أي هم آخر، هو الذي يستحوذ على اهتمامها، وهو الذي يستأثر بقلقها، ويملي عليها مواقفها  ورعايتها، ومن هذا المنطلق، يؤكد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى على المسلمات والثوابت الوطنية الآتية:

 أولاً: إن ما يجمع اللبنانيين جميعاً، وما يشكل إحدى أهم ركائز وثوابت تاريخهم هو العيش المشترك الذي حفظ عبر تاريخهم السياسي والاجتماعي، رغم الاهتزازات والتوترات، وحدتهم السياسية والوطنية وأمنهم وتوافقهم، والتي شكلت ولا تزال، ضمانة حريتهم واستقلالهم وسيادة الدولة، ولا يجوز التفريط بها من أي كان، مهما اشتدت المصاعب أو احتدمت الصراعات والتدخلات، لأن إرادة اللبنانيين القوية والجامعة يجب أن تبقى خط الدفاع الأول عن لبنان ووحدته، مما يقتضي منا جميعاً الوقوف بمسؤولية صفاً واحداً في وجه المخططات ومشاريع تفتيت الدول، والتلاعب بمصائر الشعوب والمجتمعات، وضرب وحدة الكيانات السياسية و الوطنية والمجتمعية وتمزيقها، فالدولة هي الجامعة، وكل المكونات أو الكيانات الأخرى، التي يستعاد الحديث عنها هذه الأيام، الجغرافية والطائفية والمناطقية، لا يمكن ان تحل محل الدولة، أو تكون بديلاً عنها، أو تشكل خياراً يرتجى منه الحماية أو الأمان أو الاستقرار.

ثانياً: إن البيان الوزاري الذي صدر عن مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة يوم الخميس الواقع في 6 شباط 2020،  والذي سيطرح على مجلس النواب لتنال الحكومة الثقة على أساسه، سيشكل تحدٍيا كبيرا للحكومة، وقد يكون الوقت هو التحدي الأكبر، لإثبات قدرتها على النهوض بأوضاع البلاد المتردية والخطيرة، وإخراجها من أزماتها المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وعلى الاعتصام بالحق والتمسك بالدستور ومقتضيات اتفاق الطائف وقيم النزاهة والشفافية والالتزام بتطبيق القوانين النافذة، وعلى معالجة مشاكل اللبنانيين وهمومهم ومعاناتهم، واستعادة ثقتهم بالدولة، وتتعزز هذه الثقة عند اللبنانيين بمقدار ما تثبته الحكومة،  بالأفعال، وليس بالنيات فقط، ففعاليتها وجديتها وتصميمها، وعزمها على الإنقاذ وإيجاد الحلول الناجعة، وعلى تحقيق ما وعدت به وأعلنته من تعهدات ومعالجات مالية واقتصادية في بيانها الوزاري، وان ضرورة التزامها بتنفيذ مطالب اللبنانيين الإصلاحية المحقة، يجعلها مسؤولة أمام اللبنانيين وليس أقلها، حقهم بالعمل، والاستشفاء، والتعليم، وكرامة العيش، والأمن الاجتماعي والاقتصادي، والحفاظ على مدخراتهم وجنى العمر، وان  المجلس الشرعي سوف يواكب هذه الالتزامات والتعهدات بدقة متناهية.

ثالثاً: إن قدسية القضية الفلسطينية أضحت في ضمير الوجدان العربي والإسلامي، ولا يمكن أن تنال منها صفقات، أياً كانت عناوينها أو مواصفاتها، وستبقى حتما أمانة في أعناق الأمة العربية والإسلامية، مهما طال الزمن. فلسطين، التاريخ والأرض والمقدسات، ليست للبيع، وأرضها المقدسة ليست للمبادلة، وكيانها الوطني ليس للتداول، وشعبها صامد وموحد ومناضل، ولن تنال من عزيمته وإصراره على استرجاع أرضه وحقوقه المشروعة، وعودته الى وطنه الموحد وعاصمته القدس الشريف، الفتن والمؤامرات والصفقات، مهما كان الثمن، ومهما تغاضى الرأي العام الدولي عن الانتهاكات التي يرتكبها العدو الإسرائيلي الغاصب في حق الشعب الفلسطيني من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وبالتالي لا يمكن مبادلتها بصفقة عار تسمى صفقة القرن، فهل نحن مدركون لمخاطر هذه الصفقة وتداعياتها، والتي تنذر ببدء هندسة جديدة لدول المنطقة كما تنذر ببدء هندسة جديدة من فرز وتقسيم.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق