أخبار مفتي الجمهورية

كلمة سماحة المفتي بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج لعام 1441 هـ

وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة بمناسبة  ذكرى الإسراء والمعراج الاتي نصها: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِه لَيْلاً من المَسجدِ الحَرامِ إلى المَسجدِ الأقصى ، ثم عَرَجَ بهِ إلى السَّمواتِ العُلا والمَقَامِ الأَسْنَى ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِنا ونبيِّنا مُحَمَّد ، صَاحِبِ الشَّفَاعةِ العُظْمَى ، الذي تَجَلَّى عليهِ رَبُّه بِمَا لا يُحْصَى ولا يُعَدُّ مِنَ الآياتِ الكُبْرَى ، وَعَلَى آلِهِ وأصْحَابِه وأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُعْجِزةِ الإسراءِ والمِعْراَج، ولم تُصِبْهم فِتْنةٌ ، بل ازْدَادُوا إيِمَاناً وَهُم يَسْتَبْشِرُون ، وبعد :

أيها المسلمون : يقولُ المَوْلى تَعَالى في مُحْكَمِ تَنْزِيلِه :

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

في ذِكرى الإسراءِ والمِعراج ، يتجَدَّدُ لدى المسلمينَ الإحساسُ والوَعْيُ بِعِنايةِ اللهِ عزَّ وجَلّ ورَحمتِه . ويتجَلَّى ذلك بِبَعثةِ ورِسالةِ محمدٍ صَلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه ، الذي أرسلَهُ اللهُ سبحانَهُ رحمةً للعالمين ، قالَ تعالى : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ، وأرْسَلَهُ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، قَالَ تَعَالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً﴾. ومَعَ البَعْثةِ ، ولإحقاقِ الرسالةِ ، كانت آياتُ اللهِ سُبحانه ومُعجِزاتُه ، للتَدليلِ على صِدْقِهِ عَليْه الصَّلاةُ والسَّلام، ولإيضاحِ مُرتكزاتِ الدِّينِ وثَوابِتِه . فَفي الإسراءِ خارِطةٌ قُدْسِيَةٌ لِتَنَزُّلِ الوحيِ والرَّحَمَات ، فيما بينَ البيتِ الحَرَام، والمسجدِ الأقصى . وفي الـمِعراجِ تثبيتٌ لعَلاَقِة المُصْطفى بربِّه ، ربِّ العَالَمين ، حيثُ رأَى مِنْ آياتِ ربِّه الكُبرى . وهَكَذَا ، فإنَّ في هاتَين الواقعتَين الكبيرتَين فِي حَياةِ رَسولِ الله ، وحَياةِ الدِّينِ والمُسْلِمين، نوراً هادياً ، وسِراجاً مُنيراً ، بالوظائفِ الثلاثِ لِبَعْثَتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلام: الشهادةُ والتبشيرُ والإِنذار . فهو عليه الصَّلاةُ والسَّلام يُبَشِّرُ بالخيرِ والأَمنِ والسِّلمِ والسَّلام ، ويُنذِرُ الـمُعْرِضينَ عَنْ دَعوةِ الخير ، ويَظَلُّ شَاهدَ صِدْقٍ على مَسارِ أُمَّةِ المؤمنين ، وما وَرَاءَ ذَلكَ مِمَّا يتعلَّقُ بِمَصَائِرِ الأُمَّةِ في العالم . وفوقَ ذَلكَ كُلِّه ، عنايتُهُ عزَّ وجلَّ ، وهو السميعُ البصير.

وكَمَا في كُلِّ عَام ، يَحْتَفِي المُسلِمونَ بِذِكرَى وَوَاقِعَةِ الِإسْرَاءِ وَالمِعرَاج . وَيَقولُ المُفَسِّرُون: إنَّ الإِسْرَاءَ بِرَسُولِ الله ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عليه ، مِنْ مَكَّةَ إلى بَيتِ المَقْدِس ، الذي ذَكَرَهُ القُرآنِ فِي مَطلَعِ السُّورَةِ التي سُمِّيَتْ بِاسْمِه ، كَانَ شَاهِداً عَظِيماً عَلى إِكْرَامِ اللهِ لِرَسُولِه ، وَقَد كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ في السَّنَوَاتِ الأُولَى لِلْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّة ، أَيْ قَبلَ الهِجْرَة ، لِكَي يَعرِفَ المَكِّيُّونَ الطَّبِيعَةَ التَّوحِيدِيَّةَ لِلإِسْلام ، أمَّا المِعرَاجُ ، وَهُوَ عُرُوجٌ بِرَسُولِ اللهِ إلى السَّمَواتِ العُلَى ، وَقَد ذَكَرَهُ القُرآنُ الكَرِيمُ في سُورَةِ   النَّجْم ، وَهِيَ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ أَيضاً ، وَالنَّصُّ القُرآنِيّ، قَالَ تَعَالى : ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * ) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ، والآياتُ الإلهِيَّةُ الكُبْرَى التي اخْتُصَّ الرسولُ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ بِرُؤْيَتِها هي مَا نَقصِدُهُ بِإعزَازِهِ عِندَ رَبِّهِ بالاصطِفاء ، وَعِظَمِ المَقَام ، ثُمَّ التَّبشِيرُ بانتصَارِ الدِّين ، وَظُهُورِ الأُمَّة.

في آياتِ الإِسرِاء ، كَمَا في آياتِ المِعرَاج ، يَتَكَرَّرُ ذِكرُ آياتِ اللهِ ، وَآيَاتِ اللهِ الكُبرَى. وَيَتَكَرَّرُ ذِكرُ الرُّؤيَةِ بِالعَينِ وَبِالقَلبِ وَالعَقْل : قَالَ تَعَالى : ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، وقَالَ تَعَالى : ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى . وَهَكَذَا فَإِنَّ المَقصِدَ النِّهَائِيَّ لِلحَدَثَين ، أَوِ الحَدَثِ المُتَّصِلِ بَينَ الأَرضِ وَالسَّمَاء، هُوَ نَشْرُ اليَقِينِ بِرَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ ، بِالبَصَرِ وَبِالقَلبِ وَالعَقل ، وَهُوَ اليَقِينُ النَّاجِمُ عَنِ الإِيمَانِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلّ ، وَالثِّقَةِ بِوَعْدِهِ للمؤمنين ، أَنَّهُمْ سَائرُونَ إِلى النَّجَاةِ وَالفَرَج ، إِنْ تَطَلَّعُوا إلى رَبِّهِمْ بِالدُّعَاء ، وَهُمْ يَشْهَدُونَ آيَاتِهِ في الأَرضِ وَفي السَّمَاء.

أيها المسلمون، أيها اللبنانيّون :

 نَحنُ في حَالَةِ بَلاءٍ وَابْتِلاءٍ وَاخْتِبَار . اِخْتِبَارِ قُدرَتِنَا عَلى الصُّمُود ، وَعَلى اجْتِرَاحِ الحُلُولِ وَالمَخَارِج . لَقَدِ اعْتَدْنَا القَول : إِنَّ الأَزَمَاتِ تَحْفِلُ بِالصُّعُوبَات ، لكنَّها أيضاً تَعْرِضُ فُرَصَاً لِمَنْ يَستَطِيعُ اقْتِنَاصَهَا ، وَصُنعَ شَيءٍ جَدِيدٍ مِنْ خِلَالِهَا ، سَوَاءٌ في الحَالاتِ الفَردِيَّةِ أَوِ العَامَّة. لَدَينَا الأَزْمَةُ الاقْتِصَادِيَّةُ وَالنَّقدِيَّة ، وَلَدَينَا أَزْمَةُ الوَبَاءِ النَّازِل، وَلَدَينَا الأَزمَةُ السِّياسِيَّة . وَأَهَمُّ مَظَاهِرِ الأَزمَةِ السِّيَاسِيَّة ، هِيَ الثِّقَةُ المُتَضَائلَة ، أَوِ المُفْتَقَدَةُ بَينَ السُّلُطَاتِ وَالنَّاس . إِذْ إِنَّ مُعظَمَ اللبنانِيِّينَ لَيسُوا مُتَأَكِّدِينَ مِنْ سَلامَةِ الإِجرَاءَاتِ التي تَتَّخِذُهَا السُّلُطَات، سَوَاءٌ في الجَانِبِ الاقْتِصَادِيِّ وَالنَّقْدِيّ ، أَو جَانِبِ مُكَافَحَةِ الدَّاءِ وَالوَبَاء . وَيَرجِعُ ذَلِكَ في اعْتِقَادِهِمْ إلى ثَلاثَةِ أَسْبَاب : أَنَّ السِّيَاسَاتِ الاقْتِصَادِيَّةَ وَالمَالِيَّة ، مَا كَانَتْ سَلِيمَةً وَلا مُتَبَصِّرَة . وَالسَّبَبُ الثَّانِي : أَنَّ ضَرُورَاتِ الِإصْلاحِ التي قَالَ الجَمِيعُ إنَّهُمْ مُقْتَنِعُونَ بِهَا، لم تُحَقَّقْ . وَالسَّبَبُ الثَّالِث : أَنَّ كُلَّ مَا تَمَّ القِيامُ بِه، كَانَ مُتَأَخِّراً أَو مُتَأَخِّراً جِدّاً . وَلِذَلِك ، نَرَى أَنَّ أَوَّلَ الوَاجِبَاتِ عَلى السُّلُطَات ، اِسْتِعَادَةُ ثِقَةِ النَّاس ، مِنْ طَرِيقِ السَّيرِ في تَحْقِيقِ الإِصْلاحِ بِالفِعْل ، لِاسْتِعَادَةِ الثِّقَةِ مِنْ جَانِبِ المُوَاطِنِينَ بِالدَّاخِل ، وَمِنْ جَانِبِ المُجْتَمَعِ الدَّولِيِّ وَالعَالَمِ المُعَاصِر . وَاسْتِعَادَةِ الثِّقَةِ مِنَ الحِرصِ بِالفِعل ، عَلى مُجَابَهَةِ الوَبَاءِ الذِي نَزَلَ بوَطَنِنا . أيها المواطنون :

إِنَّ وَطَنَنَا الصَّغِيرَ جُزْءٌ مِنْ هَذَا العَالَم ، الذِي صَارَ قَريَةً كَونِيَّةً كَمَا يُقَال . وَقَدْ كَانَ لُبنانُ على صِغَرِه ، طَلِيعَةً في إِقامَةِ دَولَةٍ حَدِيثَة ، وَطَلِيعَةً في اهْتِمَامِ العَالَم ، بِسَبَبِ نُبُوغِ أَبْنَائه ، وَعَالَمِيَّةِ اهْتِمَامَاتِهِم . وَمَا عَادَ الأَمْرُ كَذَلِكَ في السَّنَوَاتِ الأَخِيرَة . كُنَّا مُسْتَشْفَى الشَّرق ، وَكُنَّا جَامِعَتَه ، وَكُنَّا مَنَارَةً في المَنْطِقَةِ وَالمُحِيط.

وَيَكُونُ عَلينَا بِالفِعل ، أَنْ نَتَسَاءَل : لِمَاذَا هَذَا الفَشَلُ في الِإدَارَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالاقْتِصَادِيَّة، وَالمَصْرِفِيَّةِ وَالاسْتِشْفَائيَّة ؟ وَكَيفَ حَدَثَتْ عُزْلَتُنَا عَنِ العَالَم ؟ وَكَيفَ صِرْنَا نَعتَقِدُ أَنَّنَا وَحْدَنَا ، وَأَنَّنَا ضَحَايَا ، وَأَنَّ العَالَمَ يَتَخَلَّى عَنَّا أَو يُحَاصِرُنَا ؟

إِنَّ هَذِهِ التَّسَاؤُلات ، هِيَ الشُّغُلُ الشَّاغِلُ لِلبنانِيِّينَ الآن، وَقَدْ نَزَلَ بِهِمُ الفَقْرُ وَالعَجْزُ ،

وَتَصَدُّعُ مُؤَسَّسَاتِ العِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ في شَتَّى المَجَالات . وَهَكَذَا ، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ وَاجِبُ

السُّلُطَاتِ الأَوَّل ، اِسْتِعَادَةُ ثِقَةِ المُوَاطِنِينَ بِالجِدِّيَّةِ وَالجَدْوَى ؛ فَإِنَّ وَاجِبَهَا الآخَر ،

العَودَةُ لِلانْفِتَاحِ عَلى العَرَبِ وَالعَالَم ، وَالصِّدْقِ مَعَهُمْ ، لِكَي نَعُودَ إلى خَرِيطَةِ العَالَمِ المُعَاصِرِ كَمَا كُنَّا ، تَبَادُلاً وَمَوَدَّةً وَاهْتِمَاماً مُتَبَادَلاً وَمُشَارَكَةً في الجَدِيدِ وَالمُتَقَدِّم .

أيها اللبنانيون :

الدَّولَةُ لا بُدَّ لَهَا مِنْ أَنْ تَتَحَمَّلَ مَسؤولِيَّةَ وَمُوَاجَهَةَ مَا نَحنُ فِيهِ اليومَ ، مِنْ فَقْرٍ وَجُوعٍ وَبِطَالة ، فالنَّاسُ أَموَالُهَا مُحْتَجَزَةٌ وَرَهِينَةٌ لَدَى المَصَارِف ، والمُؤَسَّسَاتُ العَامَّةُ وَالخَاصَّةُ في حَالَةِ تَرَهُّلٍ وَانْهِيَار ، والشَّرِكاتُ تُقفِلُ أبوابَهَا الواحِدَةُ تِلْوَ الأُخرى ، والعُمَّالُ يُصرَفونَ مِنْ أَشْغَالِهِمْ بِسَبَبِ الإِفْلاس ، وتنتشرُ الأَزَمَاتُ في شَتَّى المَجَالات .

 اِنْطِلاقاً مِنْ هذا الوَاقِعِ المُؤلِم ، نَدُقُّ اليَومَ نَاقوسَ الخَطَر ، لِهَولِ مَا نَحنُ فِيهِ مِنْ وَضْعٍ مَأْساوِيّ ، وَلا يَسَعُنَا إلا أنْ نَكُونَ مَعَ الدَّولةِ وإلى جَانِبِها ، لِلعَمَلِ مَعاً مِنْ أجْلِ لبنانَ وَاللبنانِيِّين ، الذينَ أَصبَحُوا فِي حَيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ في عَيشِهِمْ ، وصِحَّتِهِم ، وَمُستَقْبَلِ أَوْلَادِهِم وَبَلَدِهِم . إنَّنَا ندعو إلى تَحصِينِ وَحْدَتِنَا بِالتَّعَاوُنِ والتَّكافُلِ وَالتَّضَامُن ، لإنقاذِ مَا تَبَقَّى مِنْ لبنان .

وهنا نَسْأَل : أَمَا آنَ الأَوَانُ لِإطلاقِ سَرَاحِ المَوقُوفِينَ الإسلامِيِّين وغَيْرِهم ، وَإِغلاقِ هذا المَلَفِّ نِهَائيّاً ؟

لا بُدَّ مِنْ رفعِ الظُّلمِ عَنِ المَظْلومِين ، وإِطلاقِ سَرَاحِ المَسْجُونين، بإصدارِ العَفوِ العَامِّ الشَّامِل ، وَإلا سَنُوَاجِهُ مَأْسَاةً في ظِلِّ تفشِّي وَبَاءِ فيروس كورونا ، الذي لا يَزَالُ جَوَّالاً في سَمَاءِ بَلَدِنَا ، رُغمَ كُلِّ الإِجْرَاءَاتِ الاحْتِرَازِيَّة . وَالتَّعقِيمِ الذي تَقُومُ بِهِ وَزَارَةُ الدَّاخِلِيَّةِ مَشْكُورَة ، وَاتِّخاذِ كُلِّ التدابير، لِعَدَمِ دُخُولِ هذا المَرَضِ الخَبِيثِ إلى السُّجُون.

وَيَا لَلْمُفَارَقَة ! عُمَلاءُ العَدُوِّ الإسْرائيلِيِّ يُطْلَقُ سَرَاحُهُمْ خِلالَ أشْهُرٍ، والموقوفون الإسلاميون لا يُبَتُّ بِأَمْرِهِمْ حتى الآن؟!

بِالفِعل، أَصْبَحْنَا في زَمَنٍ عجيبٍ غَرِيب ، وَلِمَ العَجَب؟  فقد أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ – صلى اللهُ عليه وسلَّم – وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوق ، بأنَّهُ في آخِرَ الزَّمَانِ سَتَنْقَلِبُ المَقَاييس ، يُخَوَّنُ الأَمِينُ وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ.

أيُّها المسلمون ، أيُّها اللبنانيون :

 نَحْتَفِي كُلَّ عَام ، وَفي مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ بِالإِسْرَاءِ وَالمِعرَاج ، وَهُمَا حَافِلانِ بِالمَعَانِي وَالدَّلَالَات ، مَعَانِي التَّرَابُطِ بَينَ المَسَاجِدِ الثَّلاثَة، في مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ وَبَيتِ المَقدِس ، وَقَبْلَ ذَلِكَ وَبَعدَه ، مَعَانِي اليَقِين ، وَالثِّقَةِ بِالبَصَرِ وَالقَلبِ وَالعَقْل ، بِاللهِ عَزَّ وَجَلّ ، وَرَحْمَتِهِ وَفَضلِه، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ . فَنَحْنُ نَتَوَجَّهُ إِليهِ سُبحَانَهُ بِالدُّعاء ، لِكَيْ يَرْحَمَنَا، وَيَتَفَضَّلَ عَلَينَا بِرَفْعِ البَلاءِ فِي الشِّدَّةِ وَاللَّأْوَاء ، وَالرَّحْمَةِ وَالتَّفَضُّلِ تُجَاهَ الفُقَرَاءِ وَالمُعْوَزِينَ وَالمَرضَى بِهَذَا الدَّاءِ الوَبِيل ، وَرَحْمَتَهُ وَتَفَضُّلَهُ عَزَّ وَجَلَّ بِوَطَنِنَا وَإِنْسَانِنَا ، وَحَاضِرِنَا وَمُسْتَقْبَلِنَا. فَيَا رَبَّ العَالَمِين ؛ كَمَا أَرَيْتَ رَسُولَكَ الكَرِيمَ آيَاتِكَ الكُبْرَى فِي مِعرَاجِه ، نَسْأَلُكَ لِلبِلادِ وَالعِبَادِ آيَاتِ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَة ، وَرَفْعَ الشِّدَّةِ وَالبَلاء.

أيُّها المسلمون ، أيُّها اللبنانيون :

 إِنَّ المَقْصِدَ الرَّئيسِيَّ لِلشَّرْعِ الحَنِيف ، مَقْصِدُ حِفْظِ النَّفْسِ أَوِ الحَيَاة . وَلِذَلِك ، وَلِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلى الظَّنِّ حُدُوثُ الِإيذَاء ، نَتِيجَةَ الاجْتِمَاعِ لِلصَّلَوَاتِ في المَسَاجِد ؛ فَإِنَّ مَقْصِدَ حِفْظِ النَّفْسِ يَتَقَدَّمُ في هَذِهِ الحَالَة ، فَلا بُدَّ مِنْ تَجَنُّبِ التَّجَمُّعِ في المَسَاجِد ، مِنْ أَجْلِ السَّلامَةِ وَالحَيَاة . أَمْرَان من الدِّين : دَفْعُ المَفَاسِد، وَجَلْبُ المَصَالِح . وَفِي الأَزَمَاتِ يَتَقَدَّمُ اعْتِبَارُ دَفْعِ المَفْسَدَة ؛ وَلِذَا ، فَالرَّأْيُ بِالفِعلِ اتِّبَاعُ مَا دَعَتْ إِليهِ السُّلُطَاتُ مِنَ البَقَاءِ في المَنَازِل ، لِكَي لا يَعُمَّ الوَبَاءُ.

اللَّهُمَّ ربَّ المستَضعَفين ، لقد استَغاثَ بِكَ رَسولُنا الأكرَم ، ونحن نَستَغيثُ بِك في هذا الهَول بِدُعاءِ رسولِ اللهِ إيَّاك : اللَّهُمَّ إِنّا نعوذُ بِنُورِ وَجْهِك الذي أَشرقَتْ به الظُّلُمات ، وصَلَحَ عَليْهِ أَمرُ الدُّنيا والآخِرة ، مِنْ أَن تُنْزِلَ بِنَا غَضَبَك ، أو يَحِلَّ عَلَيْنا سَخَطُك ، لكَ العُتْبَى حتى تَرضَى ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَليِّ العَظِيم .

وأخْتِمُ بِدُعَاءٍ قُرْآنِيّ :

﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا . رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِه. وَاْعْفُ عَنَّا ، وَاْغْفِرْ لَنَا ، وَاْرْحَمْنَا ، أَنْتَ مَوْلانَا فَاْنْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِين﴾ .      صَدَقَ اللهُ العَظِيم

                    والسَّلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق