آداب

آداب المسجد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أما بعد:

فمن أعظم ما يسر قلبك ويجبر خاطرك إذا دخلت بيتا أن تُكرم من صاحب البيت إكراما بالغاً، فما بالك إذا كان المكرِم هو الله تعالى والبيت هو بيت الله سبحانه، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:

((إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زواري فيها هم عمَّارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، وحُق على المزور أن يكرم زائره)) [رواه أبو نعيم]

وأن أفضل هذه الأعطيات أن يذيق الله المسلم الذي يزور الله في بيته لذة القرب، وحلاوة المناجاة، وأن يمنحه شهادة الإيمان.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ)) [أخرجه الترمذي وابن ماجه]

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ َ… ) (التوبة: ١٨)

ويكون الذي يرتاد المساجد في ظل عرش الله جل جلاله آمناً مطمئناً يوم لا ظل إلا ظله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ … وَعُدَّ منهم: “وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ” …)) (أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد ومالك)

ولدخول بيوت الله تعالى المباركة آداب، كل مسلم يعرفها إلا أننا نذكرها ونذاكرها لقوله تعالى: ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات: ٥٥)، ومن هذه الآداب:

1-أن يبدأ عند دخوله المسجد بقدمه اليمنى، وعند خروجه بقدمه اليسرى، ويدعو بالدعاء المأثور في ذلك.

فعن ” كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ، فِي طُهُورِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَتَنَعُّلِهِ “.. (متفق عليه)

وعن أبي أسيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ” رواه مسلم.

عن عبد الله بن عَمرو بن العاص، عن النبيّ – صلى الله عليه وسلم -: أنه كانَ إذا دخلَ المَسجِدَ قال: “أعوذُ باللهِ العظيمِ، وبوجهِهِ الكريم، وسُلطانِه القديم، من الشَّيطانِ الرَّجيم”..  قال “فإذا قالَ ذلك قالَ الشَّيطانُ: حُفِظَ منِّي سائرَ اليَومِ”. (سنن أبي داود)

2- أن يدخل المسجد وعليه السكينة والوقار، عن أبي قَتادةَ قالَ: بينما نحنُ نصلِّي معَ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – إذ سَمعَ جَلَبَةَ الرجال، فلما صلَّى، قالَ: “ما شأنُكم؟ “. قالوا: استَعجلْنا إلى الصلاةِ، قالَ: “فلا تفعلوا، إذا أَتيتُمُ الصلاةَ فعليكم بالسكِينةِ، فما أَدركتُم فصلُّوا، وما فاتَكم فأتِمّوا”. (رواه البخاري)

3- ألا يجلس حتى يصلي تحية المسجد، فعن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين” (رواه البخاري).

وأخرج مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ – صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ، قَالَ: فَجَلَسْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ؟» قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُكَ جَالِسًا وَالنَّاسُ جُلُوسٌ، قَالَ: «فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ».

4- أن يتخذ المصلي لوحده سترة بين يديه، فعن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: ” إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ”. (رواه البخاري ومسلم).

والمصلى إذا أتخذ سترة فلا يجوز لأحد أن يمر بين يديه، لما جاء في الحديث عن أبي جهيم الحارث بن الصمة الأنصاري-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه” قال أبو النضر: لا أدري أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة. (رواه البخاري ومسلم).

5- ألا يخرج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، فعن أبي الشعثاء قال: كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة، فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: “أما هذا فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-” (رواه مسلم).

6- أن الإنسان إذا أتى المسجد متأخراً، فعليه أن يجلس حيث انتهى به المكان، ولا يتخطى رقاب الناس، ولا يفرق بين الجالسين، ولا يقيم أحداً من مكانه ليجلس هو، وخاصة يوم الجمعة، لما جاء في الحديث أنَّ رجلا جاء يوم الجمعة يتخطى رقاب الناس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال له: “اجلس فقد آذيت”.

7- أن يجتنب تناول الروائح الكريهة قبل ذهابه إلى المسجد، كالثوم والبصل والكراث، وما أشبه ذلك من المواد التي يسبب تناولها روائح كريهة، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله -رَضىَ الله عَنْهُمَا- عَنْ النَّبي -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ- قالَ: ” مَنْ أكَل ثُوماً أوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلنا – أوْ ليعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا- ليْقْعُدْ في بَيتهِ ” (رواه البخاري ومسلم).

8- أن يحرص على نظافة المسجد، وسلامة أثاثه، وألا يعبث بشيء من ذلك، فعن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، لَا تُدْفَنُ” (رواه مسلم).

9- أن يبتعد عن كل عمل يتنافى مع آداب المسجد، ومن ذلك البيع والشراء، وإنشاد الضالة، وما إلى ذلك من الأمور التي يجب تنزه بيوت الله عنها، فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ” إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ الضَّالَّةَ، فَقُولُوا: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ “. (سنن الدارمي)

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

كتبه

الشيخ بيلال المحمود

مدرس فتوى

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق