الطهارة

الوضوء وأركانه

معناه:

الوضُوء لغةً: مأخوذ من الوضاءة وهي الحسن والبهجة، وشرعاً: اسم للفعل الذي هو استعمال الماء في أعضاء معينة مع النية.

فروض الوضوء:

وفروض الوضوء ستة، وهي: النية، وغسل الوجه، وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح بعض الرأس، وغسل الرجلين مع الكعبين، والترتيب. والأصل في مشروعية الوضوء وأركانه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلى الكَعْبَينِ ﴾ سورة المائدة؛ الآية: 6.

  • النية: لأنَّ الوضوء عبادة، وبالنية تتميز العبادة من العادة، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” إنَّما الأعمالُ بالنياتِ وإنَّما لكلِّ امْرِئٍ ما نَوَى ” رواه البخاري ومسلم.

تعريف النية: والنية معناها لغة: القصد، وشرعاً: قصد الشيء مقروناً بفعله. محل النية: ومحلّ النية القلب، ويسن التلفظ بها باللسان.

كيفية النية: وكيفيتها أن يقول بقلبه: نويت فرض الوضوء، أو رفع الحدث، أو استباحة الصلاة.

وقت النية: ووقتها عند أول جزء من الوجه، لأنَّه أول الوضوء.

  • غسل جميع الوجه: لقوله تعالى: ﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ وحدود الوجه من منبت الشعر إلى أسفل الذَقَن طولاً، ومن الأُذن إلى الأذن عرضاً.

ويجب غسل كل ما على الوجه إلا اللحية الكثيفة _ وهي التي لا يرى ما تحتها _ فإنَّه يكفي غسل ظاهرها دون باطنها.

  • غسل اليدين مع المرفقين: لقوله تعالى: ﴿ وَأَيْدِيَكُمْ ِإلى المَرَافِقِ ﴾. جمع مرفق وهو مجتمع الساعد مع العضد و ( إلى ) بمعنى مع، أي مع المرافق؛ دلَّ على ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ” أنَّه توضَّأَ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثمَّ غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثمَّ اليسرى حتى أشرع في العضد، ثمَّ مسح رأسه، ثمَّ غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثمَّ غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثمَّ قال: هكذا رأيتُ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يتوضَّأ “.

ويجب تعميم جميع الشعر والبشرة بالغسل، فلو كان تحت أظافره وسخ يمنع وصول الماء أو خاتم لم يصح الوضوء. روى مسلم: أنَّ رجلاً توضَّأَ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: ” ارجع فأحسنْ وُضُوءَك “. فرجع ثمَّ صلَّى.

  • مسح بعض الرأس، وأقلُّه ثلاث شعرات ما دامت في حدود الرأس، لقوله تعالى: ﴿ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ﴾. ولو غسل رأسه أو بعضه بدل المسح جاز.
  • غسل الرجلين مع الكعبين، لقوله تعالى: ﴿ وَأَرْجُلَكُمْ إِلى الكَعْبَينِ ﴾.  و (إلى) بمعنى مع، أي مع الكعبين؛ دلَّ على ذلك: ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق ” حتى أشرع في الساق “.

ويجب تعميم الرجلين بالغسل بحيث لا يبقى منهما ولو موضع ظفر، أو تحت شعر لما مرّ في غسل اليدين.

  • الترتيب على الشكل الذي ذكرناه، وهذا مستفاد من الآية التي ذكرت فروض الوضوء مرتَّبة، ومن فعله صلَّى الله عليه وسلَّم فإنَّه لم يتوضَّأ إلا مرتباً.

سنن الوضوء

للوضوء سنن كثيرة نذكر أهمها وهي:

  • التسمية في ابتدائه: روى النسائي عن أنس رضي الله عنه قال: طلب بعض أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وَضوءاً فلم يجدوا ماءً، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ” هل مع أحدٍ منكم ماء “، فأُتي بماء فوضع يده في الإناء الذي فيه الماء، ثمَّ قال: ” توضَّأوا بسمِ الله” أي قائلين ذلك عند الابتداء به. قال أنس: فرأيتُ الماء يفور من بين أصابعه، حتى توضَّأوا من عند آخرهم _ أي جميعهم_ وكانوا نحواً من سبعين.
  • غسل الكفين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء: روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه وقد سُئل عن وضوء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فدعا بتَوْر من ماء، فتوضَّأَ لهم وضوء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: فأَكْفأَ على يده من التور، فغسل يديه ثلاثاً، ثمَّ أدخل يده في الإناء…”.
  • استعمال السواك: لما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ” لولا أنْ أشقَّ على أمَّتي لأَمرتُهم بالسواك مع كلِّ وضوءٍ “. أي لأمرتهم أمر إيجاب، وهذا دليل الاستحباب المؤكد.
  • المضمضة والاستنشاق باليد اليمنى والاستنثار باليد اليسرى، جاء في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه السابق: ” فتمَضْمَضَ واستنشق واستَنْثَرَ بثلاث غرفات “. واستنثر: أخرج الماء الذي أدخله في أنفه.
  • تخليل اللحية الكثَّة: روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا توضَّأَ أخذ كفَّاً من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: ” هكذا أمرني ربِّي عزَّ وجلَّ “.
  • مسح جميع الرأس: جاء في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: فمسح رأَسه بيديه، فأقبلَ بهما وأدبر: بدأَ بمقدَّم رأسه، ثمَّ ذهب بِهما إلى قفاه ثمَّ ردَّهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه.
  • تخليل ما بين أصابع اليدين والرجلين بالماء: أما اليدين فبالتشبيك بينهما، وأما الرجلان فبِخِنْصَر اليد اليسرى: يبدأ بخنصر الرجل اليمنى ويختتم بخنصر الرجل اليسرى. وعن المستَورِد قال: ” رأيتُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم توضَّأَ فخللَ أصابع رِجلَيه بخنصره ” رواه ابن ماجه.
  • مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد غير ماء الرأس: عن ابن عباس رضي الله عنهما: ” أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما ” رواه الترمذي. وقال عبد الله بن زيد: ” رأيتُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يتوضَّأ، فأخذ ماءً جديداً لأذنيه خلاف الماء الذي أخذه لرأسه ” رواه الحاكم، وقال عنه الحافظ الذهبي: صحيح.
  • التثليث في جميع فرائض الوضوء وسننه: روى مسلم أنَّ عثمان رضي الله عنه قال: ألا أُرِيكم وضوء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ثمَّ توضَّأَ ثلاثاً ثلاثاً.
  • تقديم اليمنى على اليسرى في اليدين والرجلين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ” إذا توضَّأتم فابدأوا بميامنكم ” رواه ابن ماجه.
  • الدلك _ وهو إمرار اليد على العضو عند غسله _: روى أحمد في مسنده عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه: أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم توضَّأ، فجعل يقول هكذا، يدْلُك.
  • الموالاة: أي غسل الأعضاء بالتتابع من غير انقطاع، بحيث يغسل العضو الثاني قبل أن يجفَّ الأول، اتباعاً للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، لما مرَّ سابقاً من أحاديث على ذلك.
  • إطالة الغرة والتحجيل: والغرَّة غسل جزء من مقدَّم الرأس، والتحجيل غسل ما فوق المرفقين في اليدين، وما فوق الكعبين في الرجلين، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” إنَّ أمَّتي يُدْعون يومَ القيامة غُرَّاً مُحجَّلِينَ من آثار الوضوء، فمَن استطاع أن يُطيلَ غُرَّتَه فلْيفْعلْ ” رواه البخاري ومسلم.
  • الاعتدال بالماء دون سرف أو تقتير: فقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يتوضَّأَ بالمدِّ.
  • استقبال القِبلة عند الوضوء، لأنَّها أشرف الجهات.
  • أن لا يتكلَّم أثناء الوضوء، اتباعاً للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم.
  • التشهد عند الانتهاء من الوضوء والدعاء، يقول: ” أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُهُ ” رواه مسلم. و” اللَّهمَّ اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ” رواه الترمذي. و” سبحانك اللَّهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنتَ أستغفرك وأتوب إليك ” رواه النسائي.

مكروهات الوضوء

ويكره في الوضوء الأمور التالية:

  • الإسراف في الماء، والتقتير فيه: لأنَّ ذلك خلاف السنة، ولعموم قوله تعالى: ﴿ وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ﴾ سورة الأعراف؛ الآية: 31. روى أبو داود أنه صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ” إنَّه سيكون في هذه الأُمَّة قومٌ يَعتَدُون في الطَّهور والدعاء “. أي يفرطون فيهما.
  • تقديم اليد اليسرى على اليمنى، وتقديم الرجل اليسرى على اليمنى: لأنَّ هذا على خلاف ما مرَّ من فعله صلَّى الله عليه وسلَّم.
  • التنشيف بمنديل إلا لعذر، كبرد شديد أو حرّ يؤذي معه بقاء الماء على العضو، أو خوف نجاسة أو غبارها، روى البخاري ومسلم: أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أُتي بمنديلٍ فلمْ يمسَّهُ.
  • ضرب الوجه بالماء، لأنَّ ذلك ينافي تكريمه.
  • الزيادة على ثلاث يقيناً بالغسل أو في المسح، أو النقص عنها، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعدما توضَّأ ثلاثاً ثلاثاً: ” هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، أو نقص فقد أساء وظلم ” رواه أبو داود.
  • الاستعانة بمن يغسل له أعضاء من غير عذر، لأنَّ فيه نوعاً من التكبر المنافي للعبودية.
  • المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم خشية أن يسبقه الماء إلى حلقه فيفسد صومه. قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” وبالِغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ” رواه أبو داود.

نواقض الوضوء

وينتقض الوضوء بخمسة أشياء:

  • كلّ ما خرج من أحد السبيلين من بول أو غائط أو دم أو ريح. قال الله تعالى: ﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ ﴾ سورة النساء؛ الآية: 42. وقيس على ما ذكر كل خارج من القُبل أو الدبر، ولو كان طاهراً.
  • النوم غير المتمكن: والتمكن أن يكون جالساً ومقعدته ملتصقة بالأرض، وغير التمكن أن يكون هناك تجاف بين مقعدته والأرض، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” من نام فليتوضَّأ ” رواه أبو داود وغيره. وأما من نام على هيئة المتمكن فلا ينقض وضوؤه، لأنَّه يشعر بما يخرج منه؛ ودلَّ على هذا ما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينامون، ثمَّ يُصلُّون ولا يتوضئوون. صحيح البخاري.
  • زوال العقل بسكر أو إغماء أو مرض، أو جنون: لأنَّ الإنسان إذا انتابه شيء من ذلك كان هذا مظنَّة أن يخرج منه شيء من غير أن يشعر، وقياساً على النوم لأنَّه أبلغ منه في معناه.
  • لمس الرجل زوجته أو المرأة الأجنبية من غير حائل، فإنَّه ينتقض وضوؤه ووضوؤها. قال الله تعالى: ﴿ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ سورة النساء؛ الآية: 42.
  • مسّ الفرج من نفسه أو من غيره، قُبلاً أو دبراً، بباطن الكف والأصابع من غير حائل.

الأمور التي يشترط لها الوضوء

الأمور التي يجب الوضوء من أجلها هي:

  • الصلاة، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلى الكَعْبَينِ﴾ سورة المائدة؛ الآية: 6.
  • الطواف حول الكعبة المشرَّفة: لأنَّ الطواف كالصلاة تجب فيه الطهارة، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ” الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنَّكم تتكلَّمون فيه، فمن تكلم فلا يتكلَّمنَّ إلا بخير ” رواه الترمذي وغيره.
  • مسّ المصحف الشريف وحمله: قال الله تعالى: ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلا المُطَهَّرُونَ ﴾ سورة الواقعة؛ الآية: 79.

صورة كاملة لوضوء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بفرائضه، وسننه المؤكدة، وبيان فضله وفضل الصلاة بعده

روى البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنَّه دعا بوَضوءٍ فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مراتٍ، ثمَّ تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثمَّ غسل يده اليمنى ثلاثاً، ثمَّ غسل يده اليسرى ثلاثاً، ثمَّ مسح برأسه، ثمَّ غسل رِجله اليمنى ثلاثاً، ثمَّ غسل رِجله اليسرى ثلاثاً. ثمَّ قال: رأيتُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يتوضَّأ نحو وضوئي هذا، وقال: من توضَّأ نحو وُضوئي هذا، ثمَّ صلَّى ركعتين لا يُحدِّثُ فيهما نفسه، غَفرَ الله له ما تقدَّم من ذنبه “.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق