شهر رمضان المبارك

آداب العيد

الحمد لله رب العالمين، خلق الجن والإنس ليعبدوه، وبيَّن لهم طريق الخير ليسلكوه، وطريق الشر ليجتنبوه، وجعل لهم مداركاً وحواساً يعرفون بها الضار والنافع والخير والشر، ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ( 2 )  إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ( 3 ) ﴾.سورة الإنسان (2-3).

أحمدُه على نِعَمِه التي لا تحصى وأجلُّها نعمةُ الإسلام، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء فقدّره تقديرا، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، أرسله شاهداً ومبشراً ونذيرا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا. صلى الله عليه وعلى وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيرا.

أما بعد، فإن المتأمل في كلام الله وكلامِ رسولِه ليجد من الحِكَمِ والأَحكام ما لا يجده في غيرهما، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهَدْيِ هديُ محمدٍ عليه أفضلُ الصلاة وأزكى السلام، فاقرأوا قولَ ربِّكم عزّ وجلّ إذ يقول: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾.سورة البقرة (200)

لهذا فإنَّ أعيادَنا طاعةٌ تأتي بعد طاعة: عيدُ الفطر يرتبط بشَهرِ رمضان الذي كتب الله فيه الصيام، فيأتي التكبيرُ إعلاناً لله عز وجل بالشكر على تمامِ العبادة وكمالِ العِدَّة ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (سورة البقرة 185). وعيدُ الأضحى يرتَبطُ بفريضة الحج، وهو موسم من مواسمِ الطاعة يُختَم بالذِّكر والتَّكبير ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾(سورة البقرة 203)، فيقعُ العيدُ بعده تكريمًا من الله لجميع عباده. ويوم العيد يوم فرح وسرورٍ شُرع للمسلمين بإتمام فريضة فرضها الله تعالى عليهم.

هذا، وإن لقدوم العيد على المسلمين فرحةً لا تضاهيها فرحة، إقتضت أن يتهيأوا لها بسنن وآداب ينبغي على الرجال والنساء معرفتها، نذكر منها:

1الاغتسال والتطيب وارتداء أفضل الثياب:

والغسل للعيدين يكون بعد طلوع فجر يوم العيد؛ والتطيب بوضع العطور إنما هو للرجال فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تضع الطيب إذا خرجَت من بيتها، ولو كان خروجها لأداء الصلاة؛ وذلك خشية الفتنة.

2الأكل في الفطر قبل صلاة العيد، وفي الأضحى بعد صلاة العيد:

روى البخاري عن أنس بن مالكٍ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمراتٍ. وروى الترمذي عن بُريدة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يَطعَم، ولا يَطعم يوم الأضحى حتى يصلِّي. قال ابن قدامة تعليقًا على هذا الحديث: لأن يوم الفطر يومٌ حَرُم فيه الصيام، فاستُحب تعجيل الفطر قبل الصلاة لإظهار المبادرة إلى طاعة الله تعالى، أما يوم الأضحى فبخلافه، لأن في الأضحى شَرَعَ الأضحية والأكل منها، فاستحب أن يكون فطره على شيءٍ منها.

3التبكير إلى مصلى العيد:

قال الإمام البغوي: يُستحب أن يغدوَ الناسُ إلى المصلى بعدما صلَّوا الصبح لأخذ مجالسهم.

4الذهاب إلى المصلى سيرًا على الأقدام:

روى ابن ماجه عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد ماشيًا، ويرجع ماشيًا؛ هذا إذا كان مصلى العيد قريبًا ولا يشقُّ المشي إليه؛ فإن احتاج إلى ركوب إحدى وسائل المواصلات فلا حرَج في ذلك.

5 – الخروج إلى المصلى من طريق والرجوع من أخرى:

من السنة أن يذهب المسلم إلى مصلى العيد من طريق، ويعودَ من طريق آخر. فقد روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيدٍ خالفَ الطريق.

6خروج النساء والصبيان إلى المصلى:

المسْنُون في صلاة العيدين أن تكون في مصلى عام يجمع الرجال والنساء والأولاد؛ إذ أن ديننا الإسلامي الحنيف يُساير الفطرة البشرية السليمة، فأباح للنساء – حتى الحيَّضِ منهن – الذهابَ إلى المصلى، ويباح كذلك للأولاد مشاركةُ الرجال والنساء بهجةَ العيد، غير أن المرأة تَخرج للمصلى بثياب لا تلفت إليها نظر الرجال من تبرج أو تعطير، ولا تختلط بهم. ولا ترفع صوتها بالتكبير إلا بقدر ما تُسمع نفسها أو مَن معها من النساء أو من محارمها. فقد روى البخاري عن أم عطية قالت: كنا نُؤمر أن نَخرج يوم العيد حتى نُخرِج البِكْر من خِدْرها، حتى نُخرج الحُيَّض، فيَكنَّ خلف الناس فيُكبِّرن بتكبيرهم ويَدعون بدعائهم؛ يَرجون بركة ذلك اليوم وطُهرته. ويجب على الرجال عدم الاختلاط بالنساء البالغات مِن غير محارمهن؛ لأن هذا يؤدي إلى مفاسدَ كبيرة لا تُحمد عقباها، روى الشيخان عن ابن عباسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرمٍ)).

7- الجهر بالتكبير حتى خروج الإمام لصلاة العيد:

يسن لكل مسلمٍ أن يجهر بالتكبير ويرفع صوته به. فقد روى البيهقي عن عبدالله بن عُمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبدالله والعباس وعلي وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم – رافعًا صوته بالتهليل والتكبير.

8 – صلة الرحم والأقارب والقيام بسنة التزاور:

من السنة التهنئة بالعيد بعد صلاة العيد، وأن تكون هذه التهنئة عن طريق الزيارة والتلاقي، لا سيما إذا علمنا بأن سنة التزاور تكاد تختفي من مجتمعاتنا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. وعدم اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي إلا عند تعذر اللقاء.

وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نعطي كل ذي حق حقه: وذلك أن يبادر اﻷصغر سناً بزيارة اﻷكبر. وتقديم كل احترام وفضل له. ولا بأس بتخصيص يوم للخروج إلى زيارة اﻷهل واﻷصدقاء، ويوم آخر للجلوس واستقبال الزائري،. وأن يُعلِمَ اﻷهل واﻷصدقاء بذلك للتيسير على الزائر والمزور. وقد أدركنا أهالينا وهم ملتزمون بهذه اﻵداب الجميلة الحسنة.

9 – المحافظة على سنة إكرام الضيف، من طعام، وشراب، وحلوى:

لا سيما إذا علمنا بأن التباذل في الله تعالى موجب لمحبة الله لنا، وأي فضل أعظم من هذا الفضل.

نسأل الله سبحانه أن يبارك لنا بالعيد، وأن يجعله بداية لصفاء القلوب، ومنطلقاً للتحابب المطلوب بين المسلمين.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

الشيخ عبد الهادي الخطيب حفظه الله تعالى

مدرس فتوى

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق